قليل من التأمل فى الدرب الملتهب وكبرياء الجرح - عزة كامل - بوابة الشروق
الجمعة 17 يناير 2025 9:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

قليل من التأمل فى الدرب الملتهب وكبرياء الجرح

نشر فى : الجمعة 25 فبراير 2011 - 11:29 ص | آخر تحديث : الجمعة 25 فبراير 2011 - 11:29 ص

 ذكرت بعض الصحف المصرية أن لجنة تعديل الدستور لن تتطرق إلى المادة الثانية التى ترسخ الإسلام كمصدر أساسى للتشريع والمواد الأخرى الخاصة بطبيعة النظام السياسى للدولة وتوجهاتها العربية وأنها ستركز على تعديل المواد المتعلقة بالعملية الانتخابية والمادة 88 المتعلقة بالاشراف القضائى على الانتخابات وذلك نظرا لقصر المدة ورغبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى تسليم السلطة لحكومة مدنية ورئيس منتخب

وإذا سلمنا بذلك فإننا قد نكون خذلنا الثورة ونزلنا بمستوى التغيير إلى حده الأدنى، فالمحتجون فى المسيرات الأولى للثورة رفعوا الهتاف «قول يا محمد، قول يا بولس، ثورة فى مصر، ثورة فى تونس»، هذا الهتاف الملهم المعبر عن روح الثورة الجديدة والذى رفعه شباب ثورة 25 يناير منذ اليوم الأول ليستلهم الروح المصرية الحقيقية ويؤكد مبدأ المواطنة الذى حاول النظام السابق اغتياله بتأجيج أوار الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب، وقد تجلى هذا المبدأ فى وسط زخم الثورة بإقامة قداس الأحد وصلاة الغائب على أرواح الشهداء بما سمى أحد الشهداء يوم 6 فبراير فى وسط ميدان التحرير وأمام مسجد القائد ابراهيم بالإسكندرية ورفع المصحف مع الصليب وتعانقا على أكتاف ملايين المواطنين الثائرين فى لحظات ثورية خالصة
.
وبناء عليه فان عدم تعديل المادة (2) يعتبر وأدا لروح الثورة ومبادئها، هذا بالإضافة إلى أن الدستور يجب أن يكون وحدة واحدة متكاملة الأركان لا تتجزأ، وبالتالى فإن الإسراع بتغيير بعض البنود من أجل الإتيان برئيس جديد على وجه السرعة دون أن يتم تعديل بنوده الأساسية التى تعطى لهذا الرئيس سلطة مطلقة كما هو الحال فى المادة (73)، والمادة(74) يهدد أى إمكانية لدولة مدنية حقيقية قوامها تداول السلطة والحرص على توزيعها وعدم تركيزها، فقد جاءت المادة (74) من الدستور لتأييد الرئيس السادات فى صراعه ضد مراكز القوى فى 15 مايو 1971 وتم تسويغ التبريرات وأولها الاحتياج لهذه المادة بسبب ظروف الحرب وهى المادة ذاتها التى استخدمها السادات لإصدار قرارات الاعتقال لمئات من رموز القوى السياسية المختلفة فى البلاد وبموجبها تم عزل «بابا» الكنيسة القبطية بزعم تعرض الوحدة الوطنية للخطر
.
إن الدستور الذى سيتم تعديل بعض بنوده يعطى للرئيس كامل السلطات بما فى ذلك تقييد سلطة البرلمان فى كثير من المسائل التشريعية، ويعطيه الحق فى تعيين بعض أعضاء البرلمان بما قد يخل بالتمثيل فيه لصالح الرئيس والسلطة التنفيذية، وهو دستور متأرجح بين النظام الرئاسى والنظام البرلمانى، الأمر الذى أطلق عليه البعض نظام «حكومة الرئيس» حيث تنبع كل سلطات الحكم من رئيس الدولة مما يجعله محور النظام السياسى كله
.
فهل نعى الدرس رغم بساطته؟ أنسلم حريتنا مرة أخرى لحاكم ندفعه دفعا نحو الاستبداد بمنح شرعية لدستور ينتزع منا شرعية وجودنا ويغلف بقوانين استثنائية على رأسها قانون الطوارئ الذى مازال طلب إلغائه هو البند الأول على قائمة صناع الثورة
.
إن أى دستور جديد يجب أن يعكس روح ومبادئ وقيم ثورة الشباب وان يترجم ذلك فى إطار فلسفى واجتماعى وأخلاقى مدنى يعبر عن روح هذا العصر، ويكفل تأسيس دولة ديمقراطية حديثة والسؤال الآن هل تغيير متعجل للدستور أُسقطت شرعيته بسقوط رأس النظام سيؤدى إلى انتخابات ديمقراطية ونزيهة؟!، وكيف يمكن هذا والجيش لم يشارك ممثلى ثورة الشباب فى المقترحات وصنع القرار، بالإضافة إلى أن هناك المئات من السجناء السياسيين والنشطاء لم يطلق سراحهم؟

لذلك يجب على لجنة تعديل الدستور أن تأخذ فى اعتبارها تعديل المواد التى ذكرتها حتى نضمن عدم استحواذ أى رئيس قادم على السلطة وعلى اللجنة أن تضم فورا إليها عددا من شباب الثورة وكذلك عددا من الناشطين السياسيين من النساء والرجال وممثلين من الاتجاهات الفكرية المختلفة حتى نضمن أن نحصل من خلال هذا التعديل على اكبر مكاسب ممكنة
.
ويبقى التحدى الأكبر أمام شعب مصر الآن وثوارها فى كيفية إدارة العلاقة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال هذه المرحلة الحرجة والتطلع إلى عبور سلمى ونقى من نظام أبوى مستبد إلى نظام ديمقراطى ودولة مدنية يحيى نبضها الشباب، إنها علاقة شائكة تتطلب منا جميعا وقفة منهجية لكيفية التعامل بموضوعية وان نتكاتف جميعا من أجل تحقيق مصر جديدة حرة ديمقراطية بعد عقود طويلة من الاستبداد والقهر ما زال آثرها يعشعش فى هواء وأرض هذه الوطن، يجب أن نتبع ضوء العقل الذى أصبح وجوده ملحا يستمد قوته من أصالة هذا الشعب بخبراته العقلية والوجدانية والذى كان له شرف المبادرة الحضارية الأولى فى الكون فى تكوين مجتمع سياسى واجتماعى منظم كان أساسا لازدهار العلوم والمعارف والحكمة... هذه العراقة التى لم تبارحنا إلا لحظات خاطفة فى تاريخنا الطويل والتى تتطلب منا أن نستدعى أنبل الصفات والخبرات الإنسانية وأعمال العقل والمنطق حتى نسقط الطغيان والفساد.. وتستمر الثورة

عزة كامل كاتبة مصرية
التعليقات