رفضٌ متوقّع سلفا - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 4:30 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رفضٌ متوقّع سلفا

نشر فى : السبت 25 مايو 2019 - 10:50 م | آخر تحديث : السبت 25 مايو 2019 - 10:50 م

نشرت مدونة ديوان الصادرة عن مركز كارنيجى للشرق الأوسط مقالا للكاتبة «زها حسن» تتناول فيه التحديات الصعبة التى واجهها الفلسطينيون منذ النكبة مرورا بصفقة القرن.

فى 15 مايو الجارى، أحيا الفلسطينيون ذكرى حدثين: الأول ذكرى النكبة، التى تستذكر التهجير القسرى لأكثر من ثلاثة أرباع السكان الفلسطينيين من ديارهم فى العام 1948. والثانى هو افتتاح السفارة الأمريكية فى القدس العام الماضى، ما أدّى إلى القتل غير القانونى لـ59 فلسطينيا برصاص القنص الإسرائيلى فى غزة خلال يوم واحد.
ومع أن هذين الحدثين يُعتبران من المراحل السوداوية فى تاريخ الفلسطينيين، سيُواجهون على الأرجح تحدّيا أكبر فى غضون الأسابيع المقبلة، بعد أن تكشف إدارة ترامب النقاب عن خطتها للسلام فى الشرق الأوسط. الشائعات لا تنضب حول مضامين هذه الخطة: فقد نشرت صحيفة إسرائيلية يملكها كبير المتبرّعين لحملة ترامب، شيلدون أديلسون، بنودا مسرّبة من وثيقة الخطة بحسب قولها، تشرح بالتفاصيل كيف تعتزم الولايات المتحدة إقامة كيان يُدعى «فلسطين الجديدة»، من شأنه أن يُضفى طابعا رسميا على الوضع القائم راهنا، ويؤكّد كل المخاوف التى انتابت الفلسطينيين حيال الخطة الأمريكية.

كذلك، افتتح بعض الأعضاء السابقين فى الجهاز الأمنى الإسرائيلى موقعا إلكترونيا يعرض شريط فيديو يشرح تفاصيل خطة أخرى تحمل اسم «حل الدولة الجديدة»، وتنصّ على إقامة دويلة فى غزة وجزء من سيناء. تحمل هذه الفكرة بعض أوجه شبه مع الاقتراح الذى قدّمه كبير مستشارى الرئيس الأمريكى جاريد كوشنر إلى الدبلوماسيين خلال اجتماع عُقد فى مارس 2018 فى البيت الأبيض لمناقشة الحلول للأزمة الإنسانية فى غزة.
وفقا لكوشنر، أبرز مهندسى خطة السلام، من غير المجدى التحدّث عن سيادة فلسطينية عند مناقشة الخطة، لكنه وعد الفلسطينيين، إذا ما تعاونوا مع المبادرة، بحياة أفضل وبمزيدٍ من الفرص الاقتصادية، مع ضمانات من المجتمع الدولى.
على الرغم من هذه المعلومات التى أماط عنها اللثام أعضاء من الإدارة الأمريكية، ومن التسريبات الإعلامية مجهولة المصدر، يوجّه معظم الفلسطينيين أنظارهم إلى مسائل أخرى. ففى غزة، تقف حماس وإسرائيل على شفير مواجهة شاملة جديدة، مع أنهما توصّلا مؤخّرا إلى اتفاق وقف إطلاق النار. وقد حذّر المنسّق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام فى الشرق الأوسط نيكولاى ملادينوف من أن هذه ربما تكون «الفرصة الأخيرة» لتفادى اندلاع حرب شاملة فى القطاع.
***
فى غضون ذلك، أشارت منظمة الأمم المتحدة إلى أن نقص التمويل اللازم لتوفير العلاجات الطبية الضرورية فى غزة، قد يفضى ربما إلى إجراء عمليات بتر أعضاء لحوالى 1700 من أصل 7000 فلسطينى أُصيبوا برصاص القوات الإسرائيلية خلال المظاهرات الشعبية التى شهدها القطاع العام الفائت. كذلك، ستتوقّف وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن تقديم المعونات الغذائية لمليون من سكان غزة الذين يبلغ عددهم مليونى نسمة، فى حال لم يوفّر المانحون تمويلا قدره 60 مليون دولار إضافية بحلول الشهر المقبل.
تجاوز معدل البطالة 50 فى المائة فى القطاع المُفقر نتيجة الحصار الذى دام 12 عاما، والذى تعتبره الأمم المتحدة والخبراء القانونيون احتلالا عسكريا مستمرا، وذلك بسبب السيطرة المتواصلة لإسرائيل على المنافذ البرية والبحرية والجوية فى غزة. لذا، تُعتبر المساعدات التى تقدّمها الأونروا للأسر بالغة الأهمية.
لا تبدو الأمور فى الضفة الغربية أفضل بكثير. فالسلطة الفلسطينية تُواجه الخنق المالى، إذ إن وقف المساعدات الاقتصادية الأمريكية، ورفض السلطة قبول الإيرادات الضريبية التى تجمعها إسرائيل بالنيابة عنها طالما أن إسرائيل تحتفظ بجزء من هذه الأموال، يعنيان أن الخزينة الفلسطينية ستنضب بحلول الصيف. وفى هذا السياق، ذُكر أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلى السابق غادى أيزنكوت أبلغ الممثل الخاص لترامب للمفاوضات الدولية، جيسون غرينبلات، أنه ينبغى التأنّى عند إعلان الخطة، إذ إنها ستشعل ربما ردود فعل عنيفة فى أوساط الفلسطينيين قد تحتاج إسرائيل إلى سنوات عدّة لإخمادها.
***
إذا ما أراد كوشنر وفريق الرئيس دونالد ترامب المعنى بشئون السلام فى الشرق الأوسط أن يدرس الفلسطينيون خطة السلام ويتفاعلوا معها، كان من المنطقى القول إنهم يحاولون بالفعل تحضير بيئة مؤاتية لذلك. لكن من الصعب أن نصدّق أن واشنطن جادّة فى التعامل مع الفلسطينيين، وبخاصة بعد تغريدات غرينبلات عبر تويتر التى توجّه أصابع الاتهام دوما إلى القادة الفلسطينيين من دون توجيه أى انتقاد إلى إسرائيل، أو مقابلات كوشنر المشفّرة التى يتجنّب فيها الحديث عن الوضع القانونى الذى سيتمتع به الفلسطينيون فى «لا دَوْلتهم» المستقبلية، أو خطابات السفير الأمريكى ديفيد فريدمان الأشبه بالمواعظ التى يتحدّث فيها عن قَدَر إسرائيل فى التوراة والدور الذى لعبه هو وإدارة ترامب فى تحقيق مشيئة الله. فى الواقع، يبدو وكأن فريق ترامب يتعمّد دفع الفلسطينيين إلى رفض الخطة حتى قبل الإعلان عنها.
أضف إلى كل هذا إقفال المكتب التمثيلى لمنظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن العاصمة، ورفض منح تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة لمفاوِضة السلام الفلسطينية السابقة حنان عشراوى. وهنا تصبح الأمور واضحة للغاية، إذ إن قبول الفلسطينيين ليس إطلاقا جزءا من الخطة، بل رفضهم هو المتوقّع. بعبارة أخرى، إذا خسر الفلسطينيون كل شيء ــ القدس، وعودة اللاجئين، والخط الأخضر للعام 1967، والأمن المالى والمادى، والاعتراف السياسى بقيادتهم – فلن يهتمّوا بالاطّلاع على أى خطة سلام أمريكية. وستكون الرسالة قد وصلتهم بشكل واضح للغاية، ومفادها أن الشمس قد غابت فى الأفق السياسى الذى كانوا يتفاوضون حوله طيلة السنوات الـ28 الماضية.
***
من شأن «الرفض» الفلسطينى للخطة الأمريكية أن يسمح لإسرائيل بأن تبدو وكأنها تتصرّف بشهامة عند «قبولها» الخطة، فيما هى ماضية فى توسيع نطاق القانون الإسرائيلى ليشمل معظم مناطق الضفة الغربية. من الممكن أن تكون الولايات المتحدة جاهزة للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية إذا حان الوقت المناسب لذلك، ربما عندما تبرز الحاجة إلى تعبئة قاعدة الإنجيليين المؤيدين لترامب وكبار المانحين الموالين لإسرائيل مع اقتراب موعد انتخابات العام 2020.
أخيرا، فإن السؤال المطروح هو ما الذى يتعيّن على الفلسطينيين القيام به بدلا من رفض الخطة؟ ربما عليهم الانتظار قليلا، وإفساح المجال أمام الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى وجامعة الدول العربية للتعبير عن موقفها أولا، مع الإشارة على نحو مناسب إلى قرارات مجلس الأمن والقانون الإنسانى الدولى ومعاهدات حقوق الإنسان. عندئذٍ، ستفشل الخطة وستنكشف المهزلة التى مورست منذ البداية. يمكن للفلسطينيين بعد ذلك العودة إلى القيام بما نجحوا به لأكثر من سبعة عقود ألا وهو: المقاومة والحصول على الدعم الدولى اللازم للتوصّل إلى حل للنزاع يحترم كرامتهم الإنسانية.
النص الأصلى:من هنا

التعليقات