نشرت مدونة London Review of Books مقالا للكاتب «موين ربانى» حول زيارة حماس إلى القاهرة بقيادة «يحيى سنوار» وذلك من أجل تقريب وجهات النظر بين حماس ودحلان القيادى السابق بحركة فتح.
قام وفد من حماس أخيرا بزيارة رسمية لمصر، وأثناء وجوده فى القاهرة، التقى الوفد أيضا بأمير الحرب والقيادى السابق بحركة فتح محمد دحلان.
وترأس وفد حماس يحيى سنوار. وقد انتخب سنوار قائد كتائب عز الدين القسام ــ الذى أُسر أكثر من عشرين عاما فى السجون الإسرائيلية حتى أطلق سراحه فى تبادل للأسرى فى عام 2011 ــ لقيادة الحركة فى قطاع غزة، وفى شهر مايو فاز رئيس الوزراء الفلسطينى السابق إسماعيل هنية، وهو شخصية ضعيفة نسبيا، بانتخاب رئيس مجلس الوزراء السابق خالد مشعل، وسينوار هو الزعيم العام للحركة بحكم الأمر الواقع.
يذكر أن دحلان معروف داخل حماس على أنه من المتشددين، وأيضا على قناعة بأن الحركة يجب أن تحسن العلاقات مع إيران لتحقيق التوازن بين اعتمادها على قطر وتركيا. كما هو الحال مع معظم أقرانه، فإنه حريص أيضا على تطبيع العلاقات مع مصر، حيث إن انقلاب السيسى فى عام 2013 شن حملة تشهير لم يسبق لها مثيل ضد حماس وأغلق حدود غزة الوحيدة مع دولة عربية.
ولم تُرض انتخابات سينوار، التى سبقتها زيادة كبيرة وغير متوقعة فى عدد الناخبين المؤهلين قطر؛ ففى مذكرة التفاهم التى أصدرتها وثيقة حماس السياسية الجديدة فى فندق شيراتون الدوحة فى 1 مايو، والتى اعتنقت فيها الحركة رسميا تسوية الدولتين للصراع الإسرائيلى الفلسطينى وعرفت نفسها كعنصر عضوى فى حركة التحرير الوطنى الفلسطينى وليس جماعة الإخوان المسلمين التى ولدت لها. قامت الدوحة بالضغط على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لتوسيع الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة لتذكير سينوار بأن العلاقات مع طهران ليست بديلا عن رعاية قطر، وأن الدوحة تتوقع منه أن يتبنى السياسات الجديدة وتجنب المواجهة مع إسرائيل.
كان أول إجراءات عباس هو تخفيض الرواتب المدفوعة لموظفى الخدمة المدنية فى غزة. ومنذ أن استولت حماس على السلطة فى عام 2007، دفعت السلطة الفلسطينية التى تقودها فتح معظم موظفيها إلى عدم الذهاب إلى العمل، حيث كان الكثير منهم، يسهم دخلهم الإجمالى إسهاما كبيرا فى اقتصاد غزة الذى تراجع بشكل متزايد. وفى الآونة الأخيرة، وافقت حكومة نتنياهو على مطالبة عباس بخفض إمدادات غزة من الكهرباء.
كان عباس يطالب بهذا لبعض الوقت، بحجة أن حماس تحجب عائدات الضرائب التى تستخدمها السلطة الفلسطينية للدفع للموردين الإسرائيليين. وعلى مستوى أقل فنيا، أعرب عباس عن أمله فى أن تزيد إسرائيل، ومصر، والمجتمع الدولى، والسلطة الفلسطينية من الضغط على غزة، مما يؤدى إلى ثورة سكانها والإطاحة بحكام حماس الذين لا يحظون بشعبية متزايدة.
***
كان نتنياهو قد ذكر سابقا أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حذرت من أن خفض إمدادات الكهرباء المتقطعة بالفعل إلى ساعة أو ساعتين يوميا من المحتمل أن يتسبب فى انفجار حرفى. (وهذه هى نفس المؤسسة الأمنية التى استولت قواتها الجوية على معظم توليد الكهرباء المحلى فى غزة). ولعل سبب نتنياهو فى قطعها هذه المرة ربما يتعلق بالأزمة فى مجلس التعاون الخليجى. حيث تريد إسرائيل أن تثبت فائدتها لشركائها فى السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة التى دعت قطر إلى قطع علاقاتها مع حماس واقناع الرئيس الأمريكى وصهره جارد كوشنر بازدهار السلام فى الشرق الاوسط، وأن السلام فى الشرق الأوسط يتحقق من خلال التطبيع العربى الإسرائيلى، وليس بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية.
بدلا من تناول الطُعم الإسرائيلى، انتقلت حماس إلى مصر، التى تحولت من موقع القيادة فى العالم العربى إلى تبعية المملكة العربية السعودية والإمارات. وعلى الرغم من عدائها لحماس وانتفاعها أخيرا من الخليجيين، إلا أن القاهرة لا تملك سوى القليل من الرغبة فى اندلاع حرب إسرائيلية ــ فلسطينية أخرى من شأنها أن تؤدى إلى تفاقم الوضع الأمنى فى شبه جزيرة سيناء المضطربة. وتم التوصل إلى اتفاقات مؤقتة لتزويد غزة بالوقود المصرى وفتح معبر رفح بصورة أكثر انتظاما. وفى المقابل، ستضمن حماس أن غزة ليست ملجأ للجماعات المسلحة التى حملت السلاح فى سيناء.
***
قاد دحلان حملة السلطة الفلسطينية ضد حماس فى غزة فى التسعينيات. فى عام 2006، حيث تم اختياره من قبل جورج بوش الابن ووزيرة خارجيته وإليوت أبرامز نائب مستشار الأمن القومى الأمريكى من أجل الإطاحة بحكومة حماس سياسيا وعسكريا ولإشعال حرب أهلية فى قطاع غزة وذلك على إثر فوز حماس بالانتخابات التشريعية وتولى الجنرال كيث دايتون المنسق الأمنى مهمة التنسيق مع دحلان لتنفيذ الخطة ولكن فى يونيو 2007 انهارت قوات دحلان عندما استولت حماس على السلطة فى غزة لوضع حد لحربهم. وبعد عدة سنوات، جرد دحلان من سلطاته وطرد من فتح. وقام بمغادرة الضفة الغربية تحت التهديد بالملاحقة القضائية بعد أن هرب مع عباس الذى كان وقتها أقرب متعاون فلسطينى له.
فى المنفى، قام محمد بن زايد، ولى عهد أبوظبى والحاكم الفعال لدولة الإمارات العربية المتحدة، بتعيين دحلان مستشارا للأمن القومى. الذى كانت له الكثير من العلاقات مع السيسى فى العام الماضى، كما قاد بن زيد جهودا للتوفيق بين عباس ودحلان.
دحلان وسينوار أصدقاء الطفولة. ذهبوا إلى المدرسة معا فى مخيم خان يونس للاجئين. واتفقوا فى اجتماعاتهم فى القاهرة على إحياء المجلس التشريعى للسلطة الفلسطينية، الذى علقه عباس منذ عام 2007، ولكن فيه المندوبون المشتركون لديهم أغلبية كبيرة، لتنفيذ مختلف المشاريع الخيرية فى قطاع غزة. حماس تقدم دحلان كطريق العودة إلى فلسطين وسياساتها، والتى هى خلاف ذلك مختومة له. يمكن أن يساعد دحلان على تحسين العلاقات بين حماس ــ مصر وتحسين اقتصاد غزة. لقد تعاون اثنان من الأعداء معا لإضعاف منافسهم المشترك، عباس.
وتتوقف تنفيذ تفاهمات حماس ــ دحلان على المساعدة المصرية والهدوء الإماراتى. وهذا يضع القاهرة وأبوظبى وحماس على نحو فعال فى نفس المخيم، حتى مع إشارة مصر والإمارات إلى رعاية الدوحة للإسلاميين الفلسطينيين كسبب لحصارهم على قطر.
النص الأصلى