الشرق الأوسط.. هاجس يصعب احتماله - ديفيد جاردنر - بوابة الشروق
الجمعة 27 سبتمبر 2024 8:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشرق الأوسط.. هاجس يصعب احتماله

نشر فى : الإثنين 2 مايو 2011 - 8:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 2 مايو 2011 - 8:40 ص

 فى أحد ميادين مدينة الناصرة، بالقرب من كنيسة المهد مباشرة، كتبت آية قرآنية تحذر «ومن يبتغى غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين»، بيد أن الخسارة فى الحياة الدنيا هى التى تطارد العدد القليل من معتنقى المسيحية فى مهد ميلاد السيد المسيح

يشعر المسيحيون أنهم تحت حصار فى مسقط رأس السيد المسيح، حيث بدأت المسيحية قبل ألفى عام. ولا يقتصر هذا الشعور على الناصرة أو الأرض المقدسة. ففى أنحاء العالم العربى، يتساءل المسيحيون عما إذا كانوا مهددين بالانقراض: فهم يتعرضون للتهديد من المتشددين الإسلاميين، وتجبرهم فرص العمل المحدودة فى الوطن إلى البحث عن حياة أخرى فى الخارج؛ كما أنهم متهمون بالتواطؤ فى مخططات أجنبية؛ والآن تهددهم موجة الثورة المتفجرة فى المنطقة حيث يتخوف البعض من أنها قد ترفع الغطاء عن بذرة الطائفية المغمورة.

وقد عززت مجزرتان، وقعت الأولى فى كنيسة سيدة النجاة فى بغداد أكتوبر الماضى، والثانية فى مطلع العام بكنيسة قبطية فى الإسكندرية، هذا الشعور بالاضطهاد العنصرى بهدف تفريغ الأراضى العربية من المسيحيين الذين قد يبلغ عددهم 15 مليونا من بين 300 مليون مسلم.

ويقول رفعت بدر، وهو قس كاثوليكى أردنى، تتألف أغلب طائفته الآن من لاجئين من الوحشية الجهادية فى العراق: «نحن نعيش عصر اضطهاد جديد للمسيحيين.» ويضيف:
«نحن ضحايا أمور لسنا مسئولين عنها، سواء كان الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، أو السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، خاصة احتلال العراق».

ويمثل العراق حالة فريدة. ففى أعقاب الغزو الأنجلو أمريكى عام 2003، تعرض المسيحيون الأصليون من الآشوريين، ومعظمهم كلدانيون، الى أعمال انتقامية خفضت أعدادهم مما يقرب من مليون شخص إلى نحو 400 ألف. ويقول لاجئ فى عمان، وهو أستاذ فى الكيمياء يبلغ عمره 66 عاما، وأشار إلى نفسه باسم أبوسنان «خلال خمس سنوات فحسب انهار 1400 عام من التعايش والحياة المشتركة مع المسلمين فى بلدى»، ويرى المسيحيون العرب فى أنحاء المنطقة أن هذه مأساة وردت فى نبوءة.

ويقول رياح أبوالعسل، مطران الكنيسة الإنجيلية السابق فى القدس، إنه حذر شخصيا تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى فى ذلك الوقت قبل شهر من الغزو، قائلا: «ستكون مسئولا عن تفريغ العراق موطن إبراهيم من المسيحيين.» فبعد نحو ألفى عام، يتوقع المسيحيون العراقيون الاندثار، بل إن بعض أساقفتهم ينصحون بالرحيل.

ويقول ماهر (24 عاما) الذى اعتاد حراسة الكنائس فى حى الجادرية الذى كان يعيش فيه فى بغداد، إنه لم يتبق سوى خمس عائلات فى الحى المختلط.

ولكن إذا كان بعض العراقيين يتوقعون نهاية العالم؛ فقد بدأ شركاؤهم فى الدين من العرب يحسون بأنهم معرضون للخطر فى أراضى أسلافهم؛ حتى وإن كان بعضهم مبتهجا بسلسلة الانتفاضات الحالية التى تجلب رؤية جديدة للحرية والديمقراطية.

وفى مصر، وقعت حالات شغب بين الأقباط (يعتقد أن نسبتهم عشرة فى المائة من عدد المصريين) والمسلمين، فى أعقاب ثورة ميدان التحرير التى وقفت بحسم ضد الطائفية، مما يثير شكوكا بأن عناصر من نظام حسنى مبارك المخلوع، كانت تسعى لتوسيع شقة الخلاف بين الطائفتين.

وفى الأردن، ازدهرت أحوال الأقلية المسيحية فى ظل حماية العاهل الهاشمى، فهى تمتلك أو تدير نحو ثلث اقتصاد البلاد على الرغم من انها تشكل أقل من ثلاثة فى المائة من عدد السكان. ومن الممكن أن يمثل تجمع الاستياء ضد الفساد والصعوبات الاقتصادية تهديدا لوضعها، مثلما هو تهديد للملك عبدالله.

وفى سوريا، يشكل المسيحيون نحو عشرة فى المائة من السكان، وهم يصطفون إلى جانب نظام بشار الأسد وهو فى الأساس حكم الأقلية العلوية من خلف واجهة حزب البعث. وفى بيروت، يقول أحد المراقبين عن كثب للشأن السورى: «إنهم يتخوفون من أنهم قد يلاقون نفس معاملة العلويين إذا سقط النظام فى أيدى الأغلبية السنية».

وقد فرض نظام الأسد تسامحا دينيا، ويتخوف السوريون بعد أن شهدوا شياطين الطائفية تنطلق من عقالها فى العراق، ومن قبله لبنان، من خطر «بلقان جديدة» بينما يواجه النظام الآن احتجاجات غير مسبوقة.

وقد خرج المسيحيون الذين قادوا لبنان فى السابق عبر الطائفة المارونية بالأساس منهزمين من الحرب الأهلية (1975 ـ 1990) وهم منقسمون الآن بين فصائل تحالفت مع المسلمين الشيعة بقيادة حزب الله، وبقايا حزب الكتائب القديم، الذين وقف الكثير منهم فى صف السنة. وقد تسببت الحرب والهجرة فى تقليص أعدادهم إلى ثلث عدد السكان.

بيد أن اللبنانيين من جميع الطوائف، يحققون النجاح غالبا فى الخارج، خاصة فى الأنشطة المالية والصناعات الخدمية، فى حين يحافظون على صلتهم بالوطن. ويقول كمال صليبى المؤرخ اللبنانى إن المسيحيين الناجحين يوفرون نافذة ثقافية مرضية على العالم، بالنسبة للكثيرين من العرب. ويضيف: «يعتبر الخليج مستعمرة شامية. ولا يمارس الشوام سلطة سياسية، لكنهم يغترفون قدرا كبيرا من المال. وهم مفضلون عن الآخرين. والسعوديون على وجه الخصوص يفضلون صحبة اللبنانيين، وليس ذلك فحسب، بل بالتحديد المسيحيين اللبنانيين».

وفى إسرائيل، والأراضى الفلسطينية المحتلة يشتد الضغط من أجل الهجرة، وإن كان متساويا بين المسلمين والمسيحيين. غير أن فرص المسيحيين فى الرحيل أكثر، غالبا لأنهم يتمتعون بتعليم أفضل.

وقد ساعد المسيحيون، وكذلك اليهود، فى صعود الحضارة الإسلامية، عبر نقلها إلى التراث اليوناني. وعند انهيارها، كانوا أمناء على هذا التراث وعلى اللغة العربية. وكان المسيحيون هم الذين قادوا بشكل متفاوت الانفتاح على العالم وفى مواجهة الحكم العثمانى القائم على التتريك، كان لعروبة المسيحيين منطق سليم. ويقول فادى ملحة المحامى المارونى «أطلق المسيحيون العروبة، كشكل من أشكال الدفاع عن النفس ضد الأتراك العثمانيين». وأضاف:

«من الواضح أنه لم يكن من الممكن أن يكون الإسلام السنى هو الذى أطلقها، على الرغم من أنه كان ديانة الإمبراطورية». ومع ذلك، صارت القومية العربية، دعوة شبكة من أتباع السنة الأقوياء، مدعومين بشكل عام من الغرب. وقد تحولت إلى حملة قومية لغاية استبدادية، ساهم المسيحيون فيها. ويقول فيليب مادانات الناشط الإنجيلى فى الأردن «صار المسيحيون نخبويين أكثر من اللازم، مرتبطين بالوضع الراهن، وتشرنقوا فى داخل وضع الأقلية». وهو يرى أن «التهديد ليس موجها للمسيحيين فحسب، وإنما للإسلام أيضا، وللدين ككل. والوسيلة الوحيدة لوقف التطرف هى طرح سلطة أخلاقية». وفى الحقبة السابقة على الاحتلال العثمانى، تمثلت المشكلة على نحو ما فى اختلاط الفهم بين الدولة، والأمة، والسلطة، إلى جانب الفهم الإسلامى للأمة باعتبارها أمة المسلمين فى أنحاء العالم وهى تعنى بالنسبة للبعض أولوية المسلم الإندونيسى على العربى المسيحى. غير أن بعض الموارنة، الذين يعتبرون حتى الآن مقياسا للثراء المسيحى فى المنطقة ومازالوا يمثلون التفوق إلى جانب الشعور بالتهديد، يفضلون العيش فى الماضى القبلى بدلا من الحاضر الجمعى. ويرى سمير فرنجية، المثقف من يسار الوسط وهو ينتمى إلى فصيل مارونى بارز، أن هناك فرصة: «إذا انخرط المسلمون والمسيحيون فى نضال مشترك من أجل نفس القيم، تكون مشكلة التعايش قد حلت».

بل إن حتى أبوسنان، أستاذ الكيمياء العراقى اللاجئ، يميل إلى التفكير فيما يتجاوز مستقبله الشخصى: «هناك أمل كبير بعد هذه الثورات الشبابية. فلديهم عقول شابة ومنفتحة، ويصنعون مستقبلهم بأيديهم. كان خطؤنا أننا مجدنا الجنرالات أكثر من العلماء».

غير أن شبح شرق متوسط خال من المسيحيين مازال يطارد الكثيرين، ليس فقط لأن من شأنه اقتلاع تراث عمره 2000 عام، ولكن لأنه أيضا سيحرق الجسور بين الشرق والغرب.

ويقول المطران أبوالعسل فى الناصرة: «جمال هذه الأرض فى كونها فسيفساء» ويتابع: «إذا رحل المسيحيون فماذا سيتبقى من ذلك؟ الشرق الأوسط يمثل امتزاج الحضارة والديانات الإبراهيمية الثلاث. وإذا انتهى ذلك، فلن تكون أرضا مقدسة؛ بل ستصبح متحفا».

التعليقات