ماذا وراء تشبث نتنياهو بمحور صلاح الدين (فيلادلفيا)؟ - يحيى عبدالله - بوابة الشروق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 1:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا وراء تشبث نتنياهو بمحور صلاح الدين (فيلادلفيا)؟

نشر فى : الخميس 19 سبتمبر 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : الخميس 19 سبتمبر 2024 - 6:55 م


أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أكثر من مرة، أنه متمسك بسيطرة إسرائيل على محور صلاح الدين (فيلادلفيا )، الفاصل بين حدود مصر وقطاع غزة، الذى احتلته القوات الإسرائيلية فى مايو 2024م، بعد اجتياحها مدينة رفح الفلسطينية. فى خطابه، الذى ألقاه فى الثانى من سبتمبر 2024م، وهو الخطاب الأطول له منذ السابع من أكتوبر 2023م، برر نتنياهو إصراره على تواجد قوات إسرائيلية بالمحور بقوله: «منذ اللحظة التى تركناه فيها (أى المحور، عام 2005م بعد الانسحاب الإسرائيلى من غزة) لم يبق لدينا أى حاجز يمنع إدخال السلاح، والوسائل القتالية، ومعدات إنتاج السلاح ومعدات حفر الأنفاق (إلى غزة) بشكل مكثف». بمعنى، أن الهدف من نوايا إبقاء تواجد عسكرى إسرائيلى على طول المحور، بحسب نتنياهو، هو منع عمليات التهريب المزعومة للسلاح إلى غزة.
لكن هذه الحجة المتهافتة التى تخفى وراءها نوايا أكبر، دحضها رئيس الشاباك ـ جهاز الأمن العام ـ السابق، ناداف أرجمان، الذى قال، فى حديث للقناة الثانية عشرة، الإسرائيلية: «لا توجد أى علاقة بين الأسلحة الموجودة فى قطاع غزة ومحور فيلادلفيا »، وبرّأ حتى مصر من التهم التى يرددها بعض المسئولين الإسرائيليين، وبعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، قائلا: «طبقا للمعلومات المتوفرة لدينا، فإن القليل جدا من وسائل القتال دخلت قطاع غزة عبر أنفاق، لكن معظمها جرى إنتاجه فى القطاع بجهود ذاتية من مواد ذات استخدام مزدوج، مثل الأسمدة المطلوبة للزراعة، دخلت عبر معبر كيرم شالوم» (معبر يخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة).
ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز»، تقريرا، فى شهر يناير الماضى، قالت فيه إن مسئولين عسكريين واستخباريين إسرائيليين جزموا بأن جزءًا كبيرا من ترسانة الأسلحة، التى بحوزة «حماس»، مصدره «المواد المتفجرة، التى جُمعت من قنابل وصواريخ إسرائيلية، لم تنفجر، ألقيت على القطاع»، خلال الحروب المتواصلة التى شنتها إسرائيل عليه وظلت به. وردا على أكاذيب نتنياهو، نشرت صحيفة "معاريف"، الإسرائيلية، تقريرا جاء فيه: "محور فيلادلفيا ليس هو المحور الوحيد لتهريب الأسلحة إلى "حماس". فالأنفاق التى بنتها بنيت من الخرسانة التى حصلت عليها من إسرائيل، وورش خراطة وصنع الأسلحة جرى شراؤها من داخل إسرائيل من مصانع أغلقت أو جُددت».
من ناحية ثانية، لا يمانع المستوى العسكرى، وعلى رأسه وزير الدفاع، يوآف جالانت، ورئيس الأركان، هرتسى هليفى، من الانسحاب من المحور، فى سبيل إتمام صفقة تبادل الأسرى.
• • •
إذا، ما الأسباب التى تجعل نتنياهو يصر على عدم الانسحاب منه، وإفشال كل صفقة لوقف الحرب، واستعادة الأسرى الإسرائيليين؟ ثمة أربعة أسباب، فى رأيى، يأتى على رأسها تخوف نتنياهو من أن ينفرط عقد ائتلافه الحكومى، على ضوء الإنذارات التى وجهها له كل من وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب «الصهيونية الدينية»، المتطرف، ووزير الأمن القومى، إيتمار بن جفير، زعيم حزب «قوة يهودية»، العنصرى، وغيرهما من وزراء هذين الحزبين، ومنهم الوزيرة، أوريت ستروك، وزيرة الاستيطان والمهام القومية، التى صرحت فى 16 يوليو 2024م، بأنه «إذا أدرج نتنياهو محور فيلادلفيا ضمن صفقة (المخطوفين) فلن تكون له حكومة. نتنياهو يعرف ذلك جيدا».
سيفضل نتنياهو بالطبع الحفاظ على ائتلافه الحكومى. سينصاع إلى إنذارات المتطرفين فى حكومته، وسيتشبث بالمحور، وليذهب الأسرى وأهلهم إلى الجحيم. ليس أمامه، فى حقيقة الأمر خيارٌ آخر. فقد أصبح رهينة لزمرة المتطرفين فى ائتلافه الحكومى.
• • •
أما السبب الثانى، فيتعلق باتخاذ نتنياهو قرارا استراتيجيا بتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية، التى يرى أنها تهدد إسرائيل كدولة يهودية. ومن ثم فهو يتخذ من مسألة الجدل حول المحور، بحسب عومر صنعانى، مستشار شئون الأمن السياسى والقومى السابق، «ستارة من الدخان لصرف الأنظار عن الصورة الكبيرة، المتعلقة بـ«اليوم التالى للحرب»، إذ يرى أن نتنياهو «ينوى احتلال قطاع غزة بالكامل، كما قال، لـ 42 سنة قادمة على الأقل، والسيطرة المباشرة على أكثر من مليونى فلسطينى، وضم مناطق من قطاع غزة والضفة الغربية (إلى إسرائيل) والاستيطان بهما.
هذه هى الحقيقة خلف إصراره على قضايا تكتيكية صغيرة مثل ممر نتساريم (الممر الفاصل بين شمال وجنوب قطاع غزة) ومحور فيلادلفيا، وخلف عدم استعداده تقديم بديل لـ «حماس»، ورفض كل مبادرة لتسوية إقليمية مستقرة». ويؤكد صنعانى ما ذهبنا إليه فى مقالات سابقة حول التوجهات الحقيقية لنتنياهو، ومن أنه «معنى بحرب أزلية فى غزة وفى الضفة الغربية».
الحقيقة، أن نتنياهو يعرف أفضل من أى مسئول إسرائيلى آخر أن محور صلاح الدين ليس بهذه الأهمية الاستراتيجية التى يتحدث عنها، ويعرف أن السيطرة عليه لن توقف تزود الفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة بالأسلحة الضرورية لمواصلة الكفاح ضد الاحتلال.
• • •
السبب الثالث، فيتقاطع مع أكثر من عامل، منها ما يتعلق بالرغبة فى التأبيد فى الحكم، ومنها ما يتماس مع الرغبة فى تحقيق (إنجاز) تاريخى، ومنها ما يتسق مع أيديولوجيته اليمينية. إذ يرى اللواء احتياط، يسرائيل زيف، القائد السابق لفرقة غزة ولشعبة العمليات بالجيش الإسرائيلى، أن نتنياهو يتخذ من مسألة المحور ستارا للتغطية على أمرين: الأمر الأول هو تبرير قرار التخلى عن الأسرى، والثانى هو، إنضاج الظروف للبقاء فى قطاع غزة، كمنطقة محتلة، والسيطرة عليها، وإعادة بناء المستوطنات اليهودية بها.
يشير، زيف إلى أن هذه الخطوة تضمن لنتنياهو أمرين مهمين: الأول، شبكة أمان طويلة المدى لحكومته من جانب سموتريتش وبن جفير، على أمل أن يفوز ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية ويمكنه من الاستمرار فى احتلال غزة وإعادة الاستيطان بها، ما يضمن له تأييد سموتريتش وبن جفير لوقت طويل جدا؛ والثانى، تحقيق حلمه فى أن يكون زعيما تاريخيا، أرسى أسس ما يُسمَّى بـ(أرض إسرائيل) فى حدود ما يُعرف بـ(الوعد الإلهى)، و(صوَّب) ما أسماه سموتريتش (الفشل التاريخى) الخاص بالانسحاب من غزة عام 2005م. وبحسب، اللواء زيف، فإن إعادة بناء مستوطنات جوش قاطيف فى غزة، وبدء إنشاء ما يُسمّى (أرض إسرائيل الكاملة/ الكبرى) تمثل بالنسبة لنتنياهو «نوعا من تصويب الزعامة وتقلل، أيضا من حجم مسئوليته عن كارثة السابع من أكتوبر». لا يستطيع نتنياهو مصارحة الرأى العام الإسرائيلى، والرأى العام العالمى، بما فى ذلك إدارة بايدن، بهذه الانعطافة السياسية الحادة فى الأهداف التى حددها مجلس الحرب (القضاء على حماس واستعادة الأسرى)، لذا، يتشبث بتكتيكات مرحلية من قبيل، محور صلاح الدين، وممر نيتساريم، مع التهويل والمبالغة فى أهميتهما.
تقترن تكتيكات بنيامين نتنياهو، بالضرورة، بوجوب استمرار الحرب على غزة وعدم وقفها، لأن وقفها يعنى إسقاط حكومته، ولكى تستمر الحرب، يجب أن تكون هناك أهداف لا نهائية، لن يعدم نتنياهو اختلاقها، وهذا هو السبب فى أنه لم يوافق، حتى الآن، على مناقشة أى خطة لـ«اليوم التالى»، لأن أى خطة من هذا القبيل ستؤدى إلى انسحاب إسرائيل من القطاع، وستنسف نوايا إعادة احتلاله. لقد رفض نتنياهو، مرارا وتكرارا، فكرة أن تكون السلطة الفلسطينية، بزعامة محمود عباس، بديلاً لحكم «حماس» فى القطاع، وقال عبارته الشهيرة: «لن أستبدل فتحستان بحماستان»؛ وعيَّن ضابطا رفيعا مسئولاً عن الإدارة المدنية فى غزة، ورصد ميزانية تقدر بنحو 40 مليار شيكل للاحتياجات الإنسانية للقطاع، وكلها مؤشرات تدل على نية احتلاله والبقاء فيه لفترة لا يعلم مداها إلا الله.
تنسجم خطة إعادة احتلال غزة وإعادة الاستيطان بها، مع ما يجرى على أرض الواقع من تصعيد واضح فى الضفة الغربية المحتلة، وإطلاق العنان للمستوطنين لترهيب وترويع السكان الفلسطينيين، ومحاولة الاستحواذ على كامل المنطقة (ج/سى) وطرد ما يقارب من 300 ألف فلسطينى وفلسطينية يقيمون بها، وتقويض السلطة الفلسطينية، من أجل ضمان بقائه فى الحكم، ومن أجل بناء زعامة جديدة عنوانها: «نتنياهو بانى أرض إسرائيل الكاملة/الكبرى»، كما يقول، اللواء زيف.
• • •
السبب الرابع لتشبث نتنياهو بالسيطرة على المحور فيتمثل فى الرغبة فى تحقيق الأهداف المركزية التى أقرها مجلس الحرب الإسرائيلى، ومنها القضاء قضاءً مبرما على القدرات العسكرية والسلطوية لـ«حماس» فى القطاع، واستعادة الأسرى الإسرائيليين، ولكن من خلال إعادة احتلال القطاع، بما فى ذلك محور صلاح الدين، وإقامة حكم عسكرى به، والسيطرة الأمنية المستمرة عليه، بعد أن فشل طوال أحد عشر شهرا فى تحقيقها، ما يحفظ له ماء وجهه، بحسب تصوره، أمام ناخبيه، ومؤيديه، خاصة، وأمام الإسرائيليين، كافة.
• • •
ستثبت الأيام أن التصور الذى يتبناه واهمٌ. فلن يكون إعادة احتلال قطاع غزة نزهة. غزة مستنقع كبير، واستنزاف متواصل للجيش الإسرائيلى، وتعميق للانقسام الداخلى، ومزيد من العزلة الإقليمية والدولية.

 أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة

 

 

 

يحيى عبدالله أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة
التعليقات