الاغتيالات .. مسلسل لا ينتهى - وسام أبوبكر باسندوه - بوابة الشروق
الخميس 4 يوليه 2024 5:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاغتيالات .. مسلسل لا ينتهى

نشر فى : الأحد 27 أكتوبر 2013 - 7:45 م | آخر تحديث : الإثنين 28 أكتوبر 2013 - 8:48 ص

جمعتنا مقاعد الدراسة فى المرحلة ما بعد الجامعية، ولعدة سنوات لم أحفظ سوى اسمه الثنائى، لأننى بالأصل لم أعلم سواهما «فيصل سعيد»، أذكر شكله جيدا، ربما لو سمعت اسمه بمعزل عن الصورة لما عرفته، كل ما أذكره أنه كان شابا هادئا دمث الخلق، لم يكن من ذاك النوع الذى يثير حضوره ضجة بالسلب أو الإيجاب.

مع انطلاق الثورة الشبابية أخبرنى صديق مشترك يعلم جيدا مدى جهلى ــ الذى أفخر وأفاخر به بالقبلية والقبائل والفخوذ والبطون ــ إن فيصل سعيد هو شقيق الزعيم القبلى حمود المخلافى، المتوج نجم نجوم الثورة فى تعز وحامى حماها، تعجبت قليلا، لأن من عادة أبناء القبائل حين يخرجون للدراسة حمل عباءة القبلية والتباهى بها طوال الوقت على زملائهم من بنى الوطن، أو لعله حال من عرفت منهم، فكلما وجدوا فرصة حاولوا التنبيه والإشارة إلى ذلك، وردى كان دائما سمجا لا يتغير «طيب وايش يعنى»، الحقيقة أن فيصل كان مختلفا بهدوئه لا بتميزه.

وفى يوم وقفة عرفة حمل إلى الصديق المشترك ذاته نعى المرحوم الدكتور فيصل، قُتل غدرا ولا وصف أدق، أطلق عليه الجناة وابلا من الرصاص فى تمام الساعة التاسعة صباحا وهو متوجه إلى مقر عمله بالجامعة، أردوه قتيلا. يُرجِع البعض الدوافع لأسباب ثأرية تتعلق بخلافات بين قبيلة المغدور وبعض قبائل مأرب يرجع تاريخها لما يربو على 15 عاما، ويرجعها آخرون لموقفه وقبيلته من الثورة، ولأنه كان مدنيا غير مسلح ولا يسير بصحبة مرافقين، فهو من دفع الثمن.

•••

التعليق الأهم الذى أرفِق بالخبر أنه ُقتِل وهو صائم فى يوم عرفة، يا إلهى هذا اليوم الذى وقف فيه نبينا فى حجة الوداع ليضع دستور ووثيقة الأمة وأهم البنود «حرمة الدم»، لا أشك لحظة أن القتلة كانوا صائمين، ولربما لو جلست معهم لحدثوك عن حرمة الدم أيضا، لكنهم سيجدون ألف وألف مبرر لإهدار دم من يريدون قتله، بالتأكيد جلسوا مع أذان المغرب يرفعون أكفهم بالدعاء لا طلبا للمغفرة، بتاتا، لكن لعل لديهم مطالب دنيوية أخرى، أو ربما يطلبون الفردوس الأعلى، بينما أسرة الفقيد مكلومة، علق بعض المزايدين على حديثى هذا بالقول، «نعم الفردوس الأعلى ولم لا؟ لا تقنطوا من رحمة الله، الله كريم». ولا تعليق.

اغتيال فيصل تلخيص لحلقات مسلسل ليس الأول ولن يكون الأخير مع الأسف فى مدينة تعز، هذه المدينة التى اشتهر أهلها بالتعليم والثقافة، والتى صمدت ضد كل محاولات قبيلتها، وأبى أهلها أن يقبلوا إلا بالمدنية والتمدن، مؤخرا تشهد المدينة موجة جديدة من محاولات إحياء النفس القبلى وطمس وتغييب الوجوه والأصوات المناهضة، وأحد الآليات المهمة لهذه المحاولات نشر الفوضى والسلاح والتفاخر بمظاهر التسلح، وبات الانفلات الأمنى السمة البارزة، كما هو حال اليمن ككل، هذا لا يعنى الإشارة بأن المرحوم استُهدِف كونه أحد النماذج المناهضة، فأنا لم أعرف منه هذا بشكل مباشر وبالتالى لا يمكن أن أسير بهذا الاتجاه، لكن على أى حال يبقى ضحية جديدة فى مسلسل التناحر والتطاحن القبلى.

الشهيد الدكتور فيصل لديه قبيله لن تترك ثأره، على الأقل هذه وسيلة ضغط ناجحة للوصول للطرق القانونية، إن حاول مسئولو الدولة التلكؤ فهناك من سيخلص، كما لديه أصدقاء وزملاء يكتبون عنه، لكن العشرات والمئات يبقى اغتيالهم مجرد رقم فى قافلة الشهداء، فيصل وأى رقم آخر بالنسبة لأسرهم خارج كل هذه الحسابات وجعهم وألمهم سواء.

•••

ورغم كل النداءات تبقى عبثية الانفلات الأمنى والسطوة خارج مؤسسات الدولة مستمرة.

وسام أبوبكر باسندوه باحثة واكاديمية يمنية
التعليقات