القاهرة.. فرص التنسيق الإقليمي مع الرياض وأبو ظبي - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأحد 26 يناير 2025 8:16 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

القاهرة.. فرص التنسيق الإقليمي مع الرياض وأبو ظبي

نشر فى : الجمعة 24 يناير 2025 - 8:55 م | آخر تحديث : الجمعة 24 يناير 2025 - 8:55 م

 فى الفترة الممتدة بين نشوب حرب الاستنزاف الجديدة فى الشرق الأوسط فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وبين سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس فى ١٩ يناير ٢٠٢٥، نظرت الدبلوماسية السعودية والإماراتية للحرب كتطور معطل لأجنداتهما الإقليمية.

قبل أكتوبر ٢٠٢٣، كانت الرياض تنسحب من بؤرة التوتر والصراع فى اليمن وتطبع مع طهران نظير ضمانات أمنية وتعيد توجيه مواردها المالية والسياسية والدبلوماسية لدعم مشروعها التحديثى (رؤية ٢٠٣٠). كانت الرياض أيضا تضبط بوصلة سياستها الخارجية، من جهة، لاستعادة خصوصية علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وإدارة حوار مع واشنطن بشأن ضمانات أمنية ثابتة ترقى إلى مستوى التحالف الاستراتيجى ومشروع نووى سلمى، وتناقش فى المقابل إمكانيات وشروط تطبيعها مع تل أبيب وتختبر الفرص الفعلية للقبول الإسرائيلى لإقامة الدولة الفلسطينية.

من جهة ثانية، كانت دبلوماسية الرياض تسعى إلى الانفتاح الهادئ والتدريجى على القوى الكبرى المنافسة للولايات المتحدة، الصين وروسيا تحديدا، وتطور معهما علاقات عسكرية وتجارية وتكنولوجية واستثمارية تحد من الاعتماد الأحادى على واشنطن. منظورا إليها بحسابات المصالح والأولويات السعودية هذه، لم ترتب حرب الاستنزاف الجديدة وحرائقها التى اشتعلت فى فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن وعند المدخل الجنوبى للبحر الأحمر غير تعطيل أجندة الرياض وتعريضها لأخطار تطورات لم تكن فى الحسبان.

*

يسرى ذات التقييم التعطيلى لحرب الاستنزاف الجديدة ولتداعياتها ومفاجأتها الإقليمية على مصالح وأولويات دولة الإمارات العربية المتحدة التى كانت قبل الانفجار فى أكتوبر ٢٠٢٣ تغادر الساحة اليمنية وتوظف بعض أدوات سياستها الخارجية فى ساحات إقليمية أخرى وتنمى تحالفاتها الإقليمية والدولية. واجهت حروب تل أبيب فى غزة ولبنان وتنصل حكومتها من حل الدولتين ورفضها لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، واجهت أبو ظبى بتحدى توظيف العلاقات التى طبعتها مع تل أبيب بعد توقيع الاتفاقات الإبراهيمية (٢٠٢٠) إن لانتزاع وقف لإطلاق النار، أو لتمرير المزيد من المساعدات الإغاثية والإنسانية للشعبين الفلسطينى واللبنانى، أو لبناء التوافق الإقليمى حول سيناريوهات «اليوم التالى» لحكم غزة وإعادة ترتيب الأوضاع السياسية فى لبنان.

واجهت دولة الإمارات أيضا تحدى خفض مناسيب الصراع بين إسرائيل وإيران للحفاظ على استقرار المشرق العربى والحيلولة دون تأثر منطقة الخليج بالأعمال العسكرية المتصاعدة. ثم فاجأت حرب الاستنزاف الجديدة أبو ظبى، شأنها فى ذلك شأن عواصم الفعل العربى الأخرى فى القاهرة والرياض، بسقوط نظام بشار الأسد والتحولات الدراماتيكية فى حقائق القوة والحكم فى سوريا التى دفعت إلى الواجهة بميليشيات مسلحة وراديكالية.

*

إزاء الأوضاع الإقليمية السائدة اليوم فى الشرق الأوسط، لا تختلف الرؤية الاستراتيجية للسعودية والإمارات عن محددات الرؤية المصرية. فالسعودية معنية بمواصلة التركيز على برامج التحديث الداخلية، والحيلولة دون استثمار مواردها المالية والسياسية والدبلوماسية بالقرب من توترات وصراعات ليس لها أن تسوى سلميا دون إنهاء شامل ومستدام لحرب الاستنزاف الجديدة، والتوافق حول ترتيبات أمن جماعى فعالة. كذلك تريد الرياض الحفاظ على حدودها آمنة بالتزام التهدئة الإقليمية مع طهران فى جنوب الجزيرة العربية واستعادة الاستقرار فى المشرق العربى الذى تؤثر أوضاعه عليها (خاصة حال العراق والتطورات السورية)، وترغب فى متابعة الحوار الاستراتيجى مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن قضايا ثنائية عديدة وفيما خص فرص السلام والأمن الجماعى فى الشرق الأوسط. ويصعب اليوم وبعد الحروب المدمرة فى غزة ولبنان، تصور أن الرياض ستقبل على حوار مع واشنطن يربط بين ضمانات أمنية وتكنولوجيا نووية سلمية تقدم لها من القوة الكبرى وبين التطبيع مع إسرائيل والأخيرة تلغى الحق الفلسطينى فى تقرير المصير وحل الدولتين. وبالمثل يصعب أيضا تصور أن الموارد السعودية ستظل بعيدة عن التورط فى صراعات المشرق العربى إن استمرت المواجهات المباشرة وبالوكالة بين إسرائيل وإيران وتركيا فى فلسطين ولبنان وسوريا، وهو ما لم ترده الرياض التى تفضل خيار التسوية السلمية شأنها شأن القاهرة.

أما دولة الإمارات العربية المتحدة، وهى انتقلت قبل الانفجار من التورط العسكرى فى اليمن إلى الابتعاد عنه فى ظل التهدئة الإقليمية بين السعودية وإيران، فيقلقها غياب الأمن والاستقرار عن المشرق العربى وتنظر، وهى تتماثل هنا مع القاهرة والرياض، بريبة إلى التكالب المستمر بين تركيا وإيران وإسرائيل على النفوذ فى المشرق العربى وتبحث فى إمكانيات التنسيق مع مصر والسعودية للتأثير فى مجريات الأمور هناك. تسعى أبو ظبى أيضا إلى استثمار قنوات الحوار القائمة بينها وبين تل أبيب لإدارة نقاش حول «اليوم التالى» فى غزة وفلسطين بعد أن نجحت الوساطة الثلاثية المصرية القطرية الأمريكية فى تمرير اتفاق وقف إطلاق النار، ولا تمانع أبو ظبى فى الانتقال بالنقاش هذا إلى دمج فاعلين إضافيين ومعالجة قضايا أخرى انطلاقا من تفكير جماعى فى ترتيبات أمنية للشرق الأوسط.

*

يجمع بين القاهرة والرياض وأبو ظبى، إذا، السعى لإنهاء الحروب والصراعات المسلحة وتجاوز اتفاقات وقف إطلاق النار الجزئية والهدن المؤقتة باتجاه ترتيبات سلام وأمن جماعية ودائمة تحقق الاستقرار. ولإنجاز ذلك، تواجه العواصم الثلاثة عقبة كبرى متمثلة فيما يرتبه تورط بعض القوى الإقليمية فى التوظيف الممنهج للأداة العسكرية، وفى دعم الميليشيات المسلحة، وفى التدخل فى شئون الغير دون احترام لمبدأ السيادة الوطنية، ومن غياب الثقة المتبادلة، ومن تهاوى وزن مبدأ الأرض مقابل السلام وعقيدة التسوية السلمية للتوترات والصراعات. وهذا هو تحديدا ما تتورط به اليوم إسرائيل وإيران، وبدرجات أقل تركيا فى ساحات إقليمية مختلفة.

هذه العقبة الكبرى التى تواجه دبلوماسية السلام والأمن التى يمكن للقاهرة والرياض وأبو ظبى أن تقودها، بالاشتراك مع الدوحة وعمان وعواصم عربية أخرى، حلها الوحيد هو استبدال الأمن الجماعى بالأداة العسكرية، وبناء التوافق والتهدئة والتسويات السلمية بالتورط العسكرى المباشر والتورط بالوكالة فيما وراء حدود الدولة الوطنية المعنية.

وللاقتراب من الحل، وكما أشرت فى مقالات سابقة، يتعين على مصر بتاريخها الدبلوماسى الطويل ومواردها المؤسسية ووزنها الشعبى فى الشرق الأوسط، وعلى السعودية بقوتها السياسية والرمزية القادرة على تجميع الفاعلين الكبار وقدراتها المالية، وعلى الإمارات بدبلوماسيتها الإقليمية والدولية النشطة، إطلاق مبادرة لتكوين تجمع للأمن الإقليمى على غرار منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا ودعوة كافة دول الشرق الأوسط إلى الانضمام إليه نظير الالتزام بمبدأ عدم التدخل فى شئون الغير، وعقيدة التسوية السلمية للتوترات والصراعات، والامتناع عن توظيف الأداة العسكرية وإنهاء التورط فى الحروب والتوقف عن دعم الميليشيات المسلحة، والاعتماد على الحوار والتفاوض وبناء التوافق لوقف الحروب الأهلية، وإنهاء الاحتلال والاستيطان والحصار وتمكين الشعب الفلسطينى من ممارسة تقرير المصير، وبناء ترتيبات جماعية ودائمة للسلام والأمن.

 

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات